StormGazan .ahlamontada.com

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم با التسجيل أو الدخول
حياة الشهيد  العملاق صلاح خلف 415



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

StormGazan .ahlamontada.com

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم با التسجيل أو الدخول
حياة الشهيد  العملاق صلاح خلف 415

StormGazan .ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    حياة الشهيد العملاق صلاح خلف

    avatar
    عزت


    عدد المساهمات : 85
    نقاط : 181
    تاريخ التسجيل : 12/11/2009

    حياة الشهيد  العملاق صلاح خلف Empty حياة الشهيد العملاق صلاح خلف

    مُساهمة  عزت الثلاثاء أبريل 06, 2010 6:47 pm

    حياة الشهيد العملاق صلاح خلف
    من مع فلسطين ؟ من مع الهوية ؟
    من مع شعبنا و من هو مع هو ضد مصلحة شعبنا ؟
    لمن يعتقد أنه بحديثه النظري عن المقاومة و وقوفه ضد ما يحدث و يمارس من قبل و منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية , على طريق إقامة الدولة أنه يستطيع أن يجد في صفوف شعبنا من يصدق أو يلتف حول خطابه الزائف نقول ما قاله قادتنا المؤسسين و مفجري ثورتنا و القادة الحقيقيين لمسيرتنا , نقول ما قاله الشهيد القائد المؤسس صلاح خلف أبو إياد في كتاب فلسطيني بلا هوية :
    ( إلا أن واجبي اتجاه شعبي إلى ذلك هو عدم خداعه، وتغذيته بالأوهام التي يفوق خطرها خطر خيبات الأمل الموجعة. وأنا أقولها بصراحة: أني لا أعتقد أن جيلي سيحظى بفرحة رؤية ولادة دولة مستقلة حتى على جزء متناهي الصغر من فلسطين إلا أني أوضح بأنني أرى شأن شعبي كله تقريبا ـ بأنه لا يمكن تصور دولة ذات سيادة حقيقية إلا إذا أسسها وحكمها أولئك الذين قادوا حركة التحرر الوطني منذ عشرين سنة. كما ولا يمكن إقامة سلام دائم بدون ممثلي الشعب الفلسطيني الحقيقيين. وبطبيعة الحال، فإن ليس ثمة أمر محتوم مسبق. فهناك من التقلبات والمتغيرات في الظرف الدولي وفي ظرف المنطقة بأكثر مما يمكننا من التنبؤ بالمستقبل. ولكنني أتمنى أن تكذب الأحداث تشاؤمي على المدى القصير أو المتوسط. وإذا كنت لا أستثني إمكان انتصار قريب إلا أنني لا استبعد فرضية حدوث كارثة أيضاً: عنيت شلل أو تدمير حركتنا وتلك لن تكون أول مرة ولا آخر مرة تنجح القوى الرجعية الجاهلية في إجهاض ثورة.
    غير أن شعبنا سيلد ثورة جيدة وينجب حركة أعظم بأسا من حركتنا وقادة أكثر دراية وتجريبا ـ فإرادة الفلسطينيين التي لا ترد في مواصلة المعركة كائنا ما كانت الظروف، هي حقيقية لا تأتيها الريبة من بين يديها ولا من خلفها. بل إنها إرادة تمليها طبيعة الأشياء. ونحن عازمون على البقاء كشعب وسيكون لنا ذات يوم ـ وطن )
    لابد من قيام دولة و على الجميع إدراك ذلك و من يرفض قيام دولتنا ( حلمنا ) عليه ألا يعيق قيامها لكي لا تلعنه الأجيال المقبلة , كما نلعن نحن الآن دعاة الانقسام و من يحاول إطالة أمد الفرقة وتمزيق الوطن .
    إن ما تحدث عنه رئيس الحكومة الفلسطينية الشرعية الدكتور سلام فياض عن الاحتفال بقيام الدولة في بيت لحم لا يستحق إلا التقدير و الاحترام لأنه الشيء الذي قاتلنا من أجله و عانينا و لازلنا نعاني من أجله و على أي إنسان يعتبر أنه إنسان فلسطيني , أن يدعم هذا التوجه لا أن يتصرف بموجب ما يمليه عليه أصحاب المصالح الخاصة و الأجندات المعروفة و التي باتت مفضوحة إلى حد بعيد .
    فيما يلي الفصلين الخامس و السادس من حكايتنا في كتاب الشهيد القائد صلاح خلف أبو إياد ' فلسطيني بلا هوية '
    الفصل الخامس
    الجزر دقت معركة جرش وعجلون ناقوس نهاية المقاومة الفلسطينية في الأردن. فعلى مدى الأيام الخمسة الممتدة بين 13 و 17 تموز ـ يوليو 1971، راح نحو من ثلاثة آلاف فدائي متحضنين في الغابات والهضاب المكسوة بالأشجار في هاتين الناحيتين الواقعتين في شمال المملكة يقاتلون حتى الطلقة الأخيرة ببطولة خارقة ضد قوات الملك حسين الهائجة المنفلتة العقال، والتي كانت مذابح أيلول ـ سبتمبر 1970. فكانت الدبابات والمدرعات تطلق النار لتقتل ثم تسحق الناجين في عبورها.
    وقد رفض القائد المحلي، أبو علي إياد، عضو اللجنة المركزية في فتح أن يستسلم. لكنه أسر على إثر عملية مطاردة هائلة، فعذب ومثل به ثم قتل. وطالت المجزرة بالكامل نحوا من سبعمائة فدائي: ووقع نحو من ألفين آخرين في الأسر وسلموا في وقت لاحق إلى سلطات دمشق، وأفلح نحو من مئة في اللجوء إلى سوريا أو أنهم ـ لعظيم المذلة ـ لجؤول إلى الضفة الغربية المحتلة حيث وافقت السلطات الإسرائيلية على منحهم حق اللجوء.
    وهكذا انطوت إحدى أكثر صفحات المقاومة دموية، وهكذا أيضا انتهى عصر زهو الحركة الفلسطينية، الذي كان انتصار الكرامة في آذار ـ مارس 1968 أحد ذراه بلا نزاع. فقد مر ما يزيد عن ثلاث سنوات على يوم راح الملك حسين، الذي بهرته تلك المأثرة،يهتف قائلاً: «كلنا فدائيون!» فكيف وصلنا إلى حيث وصلنا؟ صحيح ولا ريب أن العاهل الهاشمي لم يكن شغوفا بنا، وأنه برغم جميل كلماته، لم ينفك عن الدسيسة لا يرادنا مورد التهلكة، إلا أننا ساعدناه مساعدة عظيمة على بلوغ هدفه حين تعاظمت أخطاؤنا في التقدير، وكبواتنا، بل ـ ولم لا نقر ونقولها بصراحة؟ ـ واستفزازيتنا. غير أنه يظل أن الصدام كان أمراً مقضيا بحكم الأشياء ولا مفر منه.
    كانت المظنة والريب تسيطر على الملك حسين. فكان يعتقد برغم تضميناتنا المتكررة، أننا نسعى إلى سلبه السلطة. ولا ريب في أن بعضا من المحيطين به، بل وبعض الشخصيات الأجنبية أيضاً، كانوا يغذون هذا القلق، بقصد أو بغير قصد. وهكذا مثلاً فإن الملك الحسن الثاني قال له ذات يوم أنه يعتبر تسلم الفدائيين للسلطة في عمان أمراً طبيعيا. وإذ صدمته كلمات العاهل المغربي فإنه راح يسأل ياسر عرفات بعد ذلك بقليل عما إذا كان يطمح حقاً إلى الحلول مكانه! مع أننا لم ننفك نؤكد له أن فتح ألزمت نفسها منذ تأسيسها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المضيفة للفلسطينيين، وأن دعمه للحركة الفلسطينية يجعل منه بطل الأمة العربية. كان حسين يقتنع نصف اقتناع بحسن نوايانا فيتأرجح بين التشكك وعم التصديق.
    وبدأت علاقاتنا بو تتوتر في منتصف شهر تشرين أول ـ أكتوبر 1968 بعد مصرع رفيقنا عبد الفتاح حمود ـ الذي كان أحد أوائل القيادات لفتح ـ بحادث سيارة. كنت أنا وثيق الصلة بحمود منذ مطلع سنوات الخمسين. فقد انتخب في ذات الوقت الذي انتخبنا فيه، ياسر عرفات وأنا، في قيادة اتحاد الطلبة الفلسطينيين، فلم ينقطع عن النضال إلى جانبنا، في القاهرة أولا ثم في قطر حيث شغل مناصب هامة كمهندس. وبرغم أنه والد سبعة أطفال، فإنه عرض غداة حرب الأيام الستة أن يترك وظيفته المجزية جداً ليصبح «متفرغا» في الحركة. وكان في اليوم الذي قضي فيه نحبه، على موعد مع عرفات ومعي في إحدى النواحي الأردنية القريبة من الحدود السورية. ولعلمي بدقته في مواعيده فإن القلق بدأ يعتريني عندما لم يأت في الساعة المتفق عليها. ولم ألبث أن أنبئت بأن حادثا خطيراً قد وقع على الطريق على مسافة غير بعيدة من البيت الذي كنا سنلتقي فيه. ولتوجسي ما هو أسوأ، وخشية مني في أن أكون شاهداً لمشهد لا طاقة لي باحتماله، فإني طلبت إلى عرفات أن يذهب بمفرد إلى مكان الحادث. وعان عرفات باكيا. كان عبد الفتاح حمود الذي لم يكد يبلغ الخامسة والثلاثين من العمر، قد لقي مصرعه وراء مقود سيارته.
    وقررنا أن تسير جنازته في عمان، حيث ظهرنا فيها للمرة الأولى. وهناك ألقيت أمام عشرات الألوف من الأشخاص الذين جاؤوا ليودعوه الوداع الأخير، خطاباً يثني على صنيعه وصنيع المقاومة. وكان أن قلق الملك حسين من هذه التظاهرة العامة في عاصمته وبدأ يحيك وينفذ المؤامرة التي ستفضي بعد أقل من عامين، إلى نزاع مسلح في أيلول ـ سبتمبر 1970.
    وبعد مرور شهر على جنازة عبد الفتاح حمود، في تشرين ثاني ـ نوفمبر 1968، جرى اختطاف ضابط من الحرس الملكي الأردني على يد منظمة سرية تدعي أنها فلسطينية، ولكننا لم نسمع بها قبل ذلك مطلقا. وإنما عرفنا بعد ذلك بكثير، أنه جرى تكرين الفريق المذكور وتمويله وتسليحه على يد المخابرات الأردنية.
    بقي أن الملك حسين وضع جيشه في حالة استنفار وهدد باقتحام مخيمات اللاجئين لإلقاء القبض على الخاطفين وتحرير رهينتهم. فكان أن طلب فريق من قادة مختلف المنظمات الفدائية ـ بينهم ياسر عرفات ويحيى حموده وبهجت أبو غربية وحامة أبو سته وأنا ـ مقابلته بغرض ثنيه عن ذلك. وكانت تلك أول مرة أقابل الملك فيها شخصياً.
    وقد أفادتني المحادثة ـ التي ظلت صامتا لأعاينه معاينة أفضل ـ إفادة بالغة حول شخصية الملك حسين.
    فبرغم أنه كان يعلم علم اليقين أنه لا يد لنا ولا علاقة في اختطاف ضابط الحرس الملكي، فإنه اظهر استياءه بقحة وراح يغضب غضبات مفاجئة تستحيل أحياناً إلى بدايات حركات عنيفة. ولقينا الكثير من العناء في تهدئته. واحتججنا ببراءتنا وأوضحنا له أننا نجهل كل شيء عن المنظمة التي تدعي القيام بهذه المحاولة التي ندينها نحن على أي حال بمنتهى الشدة والحزم. ثم أكدنا له مجددا على إرادتنا في الحفاظ على علاقات جيدة مع السلطات الأردنية. وفي النهاية أذعن الملك وأصدر أوامره لقواته برفع حصارها عن مخيمات اللاجئين.
    وإنما تأجل الأمر مجرد تأجيل كما ستثبت ذلك الأحداث. وقد تصرف حسين بكثير من المهارة والخداع. فراح يعد الرأي العام ويعد جيشه خاصة، بصبر ومنهجية للمواجهة التي يتمناها فيغذى التوتر ويثير الأزمات، ليس بمعونة الفصائل المفروضة على المقاومة التي كونتها مخابراته وحسب ، بل إنه كان يستفيد من العملاء المحرضين المهندسين في المنظمات الفدائية.
    وكان بعض هؤلاء يشغلون في هذه الأخيرة مناصب ذات تبعات كما سنكشف ذلك فيما بعد، ففي حزيران ـ يونيه 1970 مثلاً، استدعاني عبد المنعم الرفاعي ــ وهو رجل في الغاية من النزاهة ـ إلى مكتبه بعيد تشكيله الحكومة، وراح يسمعني تسجيلاً لخطاب ألقاه عشية ذلك اليوم، أبو الرائد عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي يرئسها الدكتور جورج حبش. كان أبو الرائد يهاجم في خطابه بعبارات مبهمة، لا الملك وحسب، وإنما زوجته ووالدته. وكان الخطاب من البذاءة بحيث أنني لم أطق الإصغاء للتسجيل إلى آخره.
    ثم أطلعني عبد المنعم الرفاعي على رسالة من الملك يطلب فيها من رئيس وزرائه أن يقفل كافة مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وإلا عهد للجيش بذلك. فأسرعت إلى القصر الملكي لأوضح لحسين بأننا مضطرون برغم التقزز الذي يثيره فينا أبو الرائد، أن ندافع شأننا في ذلك شأن الجماهير الفلسطينية، عن حق الجبهة الشعبية في الوجود، أما هجوم قوات الأمن. ومرة أخرى تراجع الملك خطوة ليعاود الوثوب خطوات. وإنما اكتشف أمر أبي الرائد كعميل للمخابرات وطرد من منظمته بعد ذلك بكثير.
    ومن جهة ثانية، فإن الانقسامات داخل المقاومة، ساعدت الملك في مخططاته. فبعد مرور بضعة أشهر على حرب الأيام الستة، ظهرت إلى حيز الوجود عدة منظمات فدائية، غالباً ما كان هدفها الوحيد، هو اختطاف قيادة الحركة من فتح. كما أن بعضا منها لم يكن سوى انبثاق وتعبير عن الأنظمة العربية التي كانت تسعى إلى نقل خصوماتها وصراعاتها إلى المسرح الفلسطيني.
    وإذ ذاك باتت المواقف الديماغوجية والمزايدات امرأ محتوما. وبات كل فريق يحاول أن يظهر أنه أشد «ثورية» وأوفى تصلبا من جاره. ولا زلت أذكر أن ممثلي بعض المنظمات الفدائية لم يكونوا يترددون، في بعض اجتماعات العمل المعقودة مع حسين، في أن يستشيطوا غضباً ويضربوا الطاولة بقبضتهم ويقدحوا في أعضاء العائلة الملكية، فيتهمون خال الملك، الشريف ناصر مثلا، بتهريب المخدرات. فكنت أجهد في مثل هذه الحالات بأن أعيد رفاقي إلى جادة الصواب موضحاً بأن سلوكهم لا يمكن أن يخدم إلا أخصامنا، وعلى رأسهم الملك.
    وكان من الصعب في بعض الأحيان تمييز التطرف السياسي، من الاستفزاز الذي يدبره العلماء المأجورون. فازدهار الشعارات اليسارية ـ شأن ذلك الشعار الذي يدعو الجماهير إلى إيلاء «كل السلطة للمقاومة» ـ وتوزيع صور لينين في شوراع عمان وحتى داخل المساجد، والدعوات إلى الثورة وإقامة نظام اشتراكي، كل ذلك كان ينم عن عدم وعي أجرامي. كان المتطرفون يتنافسون في الخلط بين معركة التحرر الوطني التي تقصر فتح دعوتها عليها، وبين الصراع الطبقي.
    ومن الصحيح كذلك أن سلوكنا نحن لم يكن غاية في التماسك فبرغم أننا كنا نسعى وراء الحصول على دعم كافة السكان، بدون تمييز لأصلهم، إلا أننا كنا نحوا منحى إهمال الأردني الأصل، لصالح الفلسطينيين. ثم إن الفدائيين الذين كانوا فخورين بقوتهم ومآثرهم، كثيراًَ ما اظهروا شعوراً بالتفوق، وأحيانا بالغطرسة بدون أن يأخذوا حساسيات ومصالح الأردنيين بعين الاعتبار. والأخطر من ذلك كله، هو موقفهم إزاء الجيش الأردني الذي كان يعامل كعدو بأكثر مما يعامل كحليف ممكن.
    غير أن الصحيح كذلك، أن حسين تفنن في حفر الهوة بين الفدائيين والقوات الملكية. وذلك بإثارة الصدامات الدموية أولاً، ثم بمنح الضباط والجنود الذين شاركوا فيها أجازات جماعية أثر كل معركة. فكان هؤلاء يصطمون لدى عودتهم إلى منازلهم بعداوة مقاتلينا، التي يمكن أن تفهم على كل حال. ولما كان العسكريون يجدون أنفسهم مهانين مذلين مخزيين، وأحياناً معتقلين، فإن تشوقهم إلى الصدام معنا كان يزداد. وقد علق الملك على تكاثر هذه الحوادث في الأشهر الأولى من عام 1970 مفسرا سلبيته الظاهرة إزاءها لأحد المقربين منه، قائلاً: إني أمد لهم ( أي للفدائيين الحبل الذي سيشنقون به...)
    وبلغ التوتر أوجه في شهر تموز ـ يوليو 1970، عندما دعونا لعقد دورة استثنائية لمجلس المقاومة المركزي الذي يضم ممثلي نحو من اثنتي عشرة منظمة. وفور انعقاد الاجتماع، طرحت على رفاقي سؤالين: هل ترغبون بالاستيلاء على السلطة في عمان؟ وإذا كنتم ترغبون في ذلك، فهل تقدرون؟ إن نسبة القوى تتيح لنا الظفر؟ وأجابوا في غالبيتهم بالنفي على كلا السؤالين. فهم يعتقدون من جهة أولى، إن على المقاومة أن تتلافى الوقوع في شرك مسؤوليات الدولة والبيروقراطية، كما أنهم من الجهة الثانية مقتنعون بتفوق القوات الملكية الساحق.
    وبهذا، فإنهم أكدوا اقتناعي بان التكتيك يحل لدى غالبية أعضاء المجلس المركزي محل الإستراتيجية. ومن هنا كان الغموض الخطر في سياستهم التي كانت تقودنا وفق قناعتي، إلى كارثة مباشرة. والحل هو أ، الملك، كما أوضحت حينذاك،لن يتحمل طويلا السلطة الموازية التي أقمناها في مملكته. فكان لا بد لنا من أن نختار خيارا واضحاً يتفق مع تحليلنا ومع إستراتيجيتنا. فإذا كان من الصحيح أننا لا نريد قلب النظام الملكي، وأنه على أية حال أعصى من أن يقهر في اللحظة الحالية، فإنه يكون من الواجب الملح علينا كما رحت أؤكد، أن نعيد علاقاتنا مع حسين إلى طبيعتها قبل أن يفوت الأوان.وبعد أن أنهيت عرضي، توجهت نحو بوابة الخروج وأنا أقول للمجتمعين: «من كانت تهمهم مصلحة الشعب الفلسطيني فليتبعوني فنذهب معا للتفاوض مع القصر على نمط تعايش!» فبقين الأغلبية مسمرة بينما غادرت قبضة من مندوبي مختلف المنظمات الأخرى غير فتح، قاعة الاجتماع برفقتي.ولن يفهم تهافت وتناقض غالبية مجلس المقاومة المركزي، إن لم أضف أنهم مقتنع ين بأن الملك لم يجرؤ على مهاجمة الفدائيين المنتشرين في العاصمة وفي البلاد، خشية أن يوقع مجزرة بالسكان، كما أن بعضا منهم كان يعتقد أن الجيش الملكي، أو جزءاً هاماً منه على الأقل، سيتمرد إذا ما تلقى الأمر بأن يطلق النار على أعداد الناس عشوائياً.
    أما أنا فأني كنت شخصياً مقتنعاً بالعكس. فالملك قد أمن ولاء ضباطه بعد أن غمرهم بالامتيازات المادية. كما كان الجنود جميعاً ـ بما في ذلك الفلسطينيون الذي يشكلون قرابة القوات الملكية وليس 60 بالمئة منها كما يكتب عادة ـ معبئين ضد حركة الفدائيين بدعاية ذكية. كانت هذه الدعاية تظهرنا كملحدين وأعداء الله، وشيوعيين يتعاونون تعاوناً وثيقاً مع قوى دولية مريبة بما في ذلك يهود اليسار المتطرف. وكنا نسعى، وفق ما يقوله ثالبونا، إلى الاستيلاء على السلطة لصال ح قوى أجنبية، لا للدفاع عن مصالح الشعب الفلسطيني. وبرغم هذه التعبئة، فإن حسين احتاط وأبعد الفلسطينيين عن صفوة الوحدات العسكرية وخاصة عن المدفعية والمدرعات التي استخدمها استخداماً واسعاً في معارك أيلول ـ سبتمبر 1970 وتموز ـ يوليو 1971 في جرش وعجلون.
    ومما زادني قلقا على قلق، هو أن الملك حسين لن يبدو في نهاية شهر آب ـ أغسطس واثقاً من نفسه ثقة لها ما يبررها، فبعد أن التحق، شأن عبد الناصر، بمشروع التسوية مع إسرائيل، الذي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الخارجية الأميركية ويليام روجرز، فإنه بات يتمتع بدعم قوي على ؟؟؟؟؟الدولي، وبخاصة، في العالم 7 آب ـ أغسطس، أي بعد مرور أسبوعين على دخول وقف إطلاق النار ـ الذي أنهى حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية ـ الإسرائيلية بين البلدين ـ حيز التنفيذ، ذهب حسين إلى الإسكندرية، حيث حظي باستقبال حار من قبل عبد الناصر. ولدى عودة الملك إلى عمان، أشاعت السلطات الأردنية، أنه أخذ من الرئيس المصري الضوء الأخضر لسحق الحركة الفلسطينية التي وقفت بالإجماع ضد مخطط روجرز وقرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي يرتكز المخطط عليه.
    غير أن مجلس المقاومة المركزي كان منقسماً بشأن الموقف الذي ينبغي اتخاذه من عبد الناصر. فهل ينبغي أن نتصادم مع النظام المصري؟ وأجابت الغالبية التي تؤيد السياسية المغامرة على هذا السؤال بالإيجاب. أما فتح، ومعها منظمة الصاعقة الموالية لسوريا وبعض المستقلين، فكانت على العكس من ذلك، مصممة على عدم قطع الجسور مع مصر. ومنذ ذاك فأننا قررنا إرسال مندوبين إلى عبد الناصر سعياً وراء نمط تعايش.
    وثمة أسباب عديدة كانت تدفعنا إلى القيام بهذا المسعى. فمن الناحية التكتيكية، كان الهجوم على الريس عملاً انتحارياً من قبلنا في ظرف تتعرض فيه لخطر تلقي طعنة في الظهر من حسين. كما أنه لم يكن في وسعنا من الناحية الإستراتيجية أن نسمح لأنفسنا بقطع علاقاتنا مع أقوى البلدان العربية، والتي كان وزنها الدولي الداخلي والمحلي ثميناً بالنسبة إلينا. ثم أننا كنا، فضلا عن ذلك، نثق بوطنية عبد الناصر. وكنا نعرف أنه لن يخوننا لأنه سبق له وأعلن جهاراً بأنه يفهم تماماً أطرح المقاومة للقرار 242 ورفضها لذلك النص الذي لا يستجيب بأية صورة من الصور إلى تطلعات الشعب الفلسطيني.
    كان الوفد الذي إلى الإسكندرية يضم ياسر عرفات وفاروق القدومي وهايل عبد الحميد وأنا (عن اللجنة المركزية في فتح) وضافي جمعاني (عن ا للجنة المركزية في فتح) وضافي جمعاني (عن الصاعقة) وإبراهيم بكر (مستقل). واستقبلنا عبد الناصر ببعض الفتور ثم قال لنا لفوره «لقد تنزهت في حديقتي ط وال ساعة لأتمالك غضبي وأنا استقبلكم». كان مغضباً من الهجمات التي كان يتعرض لها في منشورات فتح والتي لأظهر لنا بعض نماذج منها كانت مبعثرة على مكتبه. ثم أضاف أنه لا يحق لنا أن ننتقده قبل أن نعرف البواعث التي دفعته إلى قبول مخطط روجرز.
    وأشار خلال المحادثة التي دامت أكثر من سبع ساعات إلى أن هناك إمكانية بنسبة واحد بالألف في أن يتحقق مشروع السلام الأميركي لأنه يعلم مقدماً أنه ليست لدى إسرائيل النية مطلقاً في احترام التزاماتها وإعادة الأراضي المحتلة بكاملها. ولكنه سيواصل برغم ذلك جهوده للتوصل إلى تسوية سلمية. وبانتظار ذلك فإنه لا بد له من كسب الوقت ليستعد للحرب التي تبدو له الوهلة الأولى أمراً لا مناص منه.
    وأضاف أنه خلال زيارته الأخيرة لموسكو طالب بتسليم مصر صواريخ سام 7، وحصل عليها بعد أن فهدد بالاستقالة. ثم أفضى لنا بأنه «سوف نستغل وقف إطلاق النار الساري حالياً، لنضع هذه الصواريخ على طول قنال السويس».
    وروى لنا أن القادة السوفيات اندهشوا في بادئ الأمر من انضوائه تحت راية مشروع أميركي وعرضوا عليه كبديل مشروعاً تقدمه له موسكو وواشنطن سوية. فرفض المشروع موضحاً لمحادثيه بأنه يريد أن «يحرج» الولايات المتحدة التي التزمت لأول مرة منذ حرب حزيران ـ يونيه 1967، بجلاء إسرائيل الكامل تقريباً عن الأراضي التي غنمتها. وأضاف: أن ميزة القرار 242، هو أنه نصدق على حق العرب في استعادة أراضيهم المفقودة، بإقرار دولي.
    ثم استطرد عبد الناصر يقول بلهجة ساخرة وهو يلتفت نحو ياسر عرفات: «كم تظن أنه يلزمكم من السنين كي تدمروا الدولة الصهيونية وتبنوا دولة موحدة ديمقراطية على كامل فلسطين المحررة؟» وأخذ علينا ممارستنا لسياسة غير «واقعية» وقال أن دويلة في الضفة الغربية وغزة، وهي خير من لا شيء.
    دارت المحادثة في الجزء الأعظم منها تفي جو حبي أولاً ثم ودي بعد ذلك وبدأ عبد الناصر مرتاحاً ودعانا إلى العشاء على مائدته. ثم أبدى لنا قلقه من الوضع في الأردن. وقال لنا «أن أعلم أن المخابرات الهاشمية أشاعت أنني شجعت الملك حسين على ضربكم. أن العكس هو ا لصحيح. فقد حذرته حلال زيارته الأخيرة للقاهرة من مثل هذه المحاولة مرتين. مرة في اجتماع مغلق، ومرة ثانية بحضور رئيس وزرائه عبد المنعم الرفاعي».
    وغادرنا الإسكندرية ونحن نصف مطمئنين، إذ لم يكن يعدو أن الملك حسين يأخذ تحذيرات عبد الناصر بعين الاعتبار، لأنه كان يقوم بدك مراكز المقاومة. وانتهت المعارك المتفرقة وشبه اليومية، والريبة المخيمة، بأن أرهقت الرأي العام الذي بدأ جزء منه يظهر تبرمه بالفدائيين الذي بات يعتبرهم مسؤولين عن الصدامات. وفي مناخ الأزمة هذا، عمدت الجبهة الشعبية في 16 أيلول ـ سبتمبر إلى اختطاف أربع طائرات،وقادتها إلى مدرج هبوط في الأردن بعد أن عمدته باسم «مطار الثورة» موجهة بذلك اهانة جديدة للملك.
    وبدت لنا العملية على أرفع قد من الشبهة، شأن قرار رئيس الجبهة الشعبية، الدكتور جورج حبش، بمغادرة عمان قبل ذلك بشهر وفي وسط الأزمة، ليقوم.. «بزيارة ودية» إلى كوريا الشمالية. كانت ضربة عتو تضع المقاومة بمجملها في منصة الاتهام معطية بذلك حسن الذريعة التي كان يحلم بها لينتقل إلى الهجوم. فحتى العراق الذي كان مؤيداً لنا من حيث المبدأ، وجه ضربا من الإنذار لفتح طالباً توقيف قراصنة الجو وإطلاق سراح الرهائن، ذلك أنهم كانوا يعزون إلينا سلطانا ما كنا نملكه في الواقع. ولم يفلح ياسر عرفات في الحصول الأعلى «تعليق» عضوية الجبهة الشعبية في اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن هذا الإجراء بدأ قميئاً بصورة مثيرة للسخرية بعد تدمير الطائرات المخطوفة بالديناميت، واحتجاز بضع عشرات من المسافرين بينهم نساء وأطفال.
    وعمت المعارك شمال الأردن حيث راحت المدفعية الملكية تقصف مكاتبنا قصفاً منتظماً. كان علينا أن نرد وأن نسرع في الرد. والغريب هو أن العراق كان يحرضنا على الاستيلاء على السلطة. فقد جرى تقديم عرض ملموس لنا بهذا المعنى قبل اختطاف الجبهة الشعبية للطائرات ببضعة أشهر. فخلال زيارة رسمية لعمان، التقى وفد يمثل نظام بغداد ويضم ثلاثة من أبرز أعضائه نفوذاً هم: عبد الخالق السامرائي وزيد حيدر ـ عضوا القيادة في حزب البعث ـ ومهدي عماش وزير الداخلية، بياسر عرفات وبي في شهر أيار ـ مايو بقاعدة الحبانية. وقال لنا موفدو وبغداد: « نظموا محاولة انقلاب، فستدعمكم الوحدات العراقية المرابطة في الأردن لقلب النظام الملكي وإقامة سلطة شعبية» وكان في مشروعهم أن تحتل هذه الوحدات الزرقا واربد في الشمال بينما يستولى الفدائيون على عمان.
    كان شعور عرفات وشعوري هو أن هذا العرض تعوزه الجدية. واقترحنا على محادثينا الحصول بادئاً على تأييد سوريا، وإذا أمكن مشاركتها في المشروع وكنا نعلم أن التفاهم بين بغداد ودمشق أمر مستبعد عملياً بالنظر إلى المنافسات والخصومات بين العاصمتين. ثم تبيت أن ريبتنا كانت في موضعها عندما لاحظنا سلبية الجيش العراقي أثناء الحرب التي ستندلع بعد ذلك بأيام بين الفدائيين والقوات الملكية. وهكذا فقد حاولنا كل ما تمكن محاولته في الأسبوعيين الأولين من أيلول ـ سبتمبر لنتلافى المواجهة. فدخلنا في مفاوضات مضنية دارت تحت رعاية توسيط من الجامعة العربية هو الوزير السوداني السابق أمين الشلبي. وكنا لا نزال في 14 أيلول تتردد في الانضمام إلى اتفاق تسوية كان يبدو لنا جائرا متعسفاً، حين خابرني عبد المنعم الرفاعي بالهاتف. كان صوته في الطرف الآخر من الخط عصيباً قلقاً.وقال لي رئيس الوزراء «وقعوا الاتفاق بالغاً ما بلغت الكلفة» دون أن يقدم أية تفسيرات، ثم أقفل الخط.
    كنا نثق بالرفاعي الذي لم يكن وفاؤه للملك ينال من رأفته وتساهله مع المقاومة وإلا فإنه سيشن علينا حرباً عامة. فذهبت لفورى إلى القصر ووقعت بروتوكول الاتفاق كما قدم إلي ثم أبلغت الرفاعي بذلك للحال فأذاع النص مباشر من إذاعة عمان. وحسبنا عند ذلك أننا تلافينا الأسوأ.
    لكننا كنا مخطئين، ذلك أن الملك أقال حكومة الرفاعي في صبيحة اليوم التالي، وكلف اللواء، محمد داود، الفلسطيني الأصل، بتشكيل حكومة حرب كان كامل أعضائها من العسكريين. وفي اليوم ذاته، شنت وسائل الإعلام ولا سيما الإذاعة والتلفزيون حملة استغاثة إلى كافة رؤساء الدول العربية. لكنكان الأوان قد فات. ففي غداة اليوم التالي شنت القوات الملكية هجوماً عاماً ضد الفدائيين غير مترددة في . قصف كافة أحياء عمان قصفا عشوائياً.
    وهكذا ومهما بلغت الغرابة في ذلك، إلا أننا لم نكن مستعدين لمواجهة هذا الامتحان بر غم أنه كان متوقعاً منذ بضعة أشهر: كان عدد من مسؤولي المقاومة يعتقدون اعتقاداً راسخاً لا حدود له بأن حسن لا يجرؤ على ذلك, وإنما تشكلت قيادة موحدة من مختلف التنظيمات الفدائية قبيل بدء المعارك ببضع ساعات، إلا أن جيش الملك احتل مقر قيادة فتح العسكرية العامة، خلال دقائق. كنا قد أقمنا مقر القيادة هذا في جبل الحسين. وهو دحي سهل الاتيان على نحو خاص، في حين أنه كان بوسعنا أن نقيم في حي الأشرفية الذي يعصى عملياً على كل اقتحام.
    وذهبت إلى مقر العمليات العسكرية، الذي كان يقع هو الآخر في جبل الحسين، ولكنه لم يسقط بيد القوات الملكية. ووجدت هناك ياسر عرفات الذي كان يحاول يائسا الاتصال بالملك بالهاتف، في حين أن القذائف كانت تتساقط حولنا كالمطر. وقلت لده: أقفل الهاتف فالهاتف لا يجدي نفعاً، أن أحداً لا يريد حتى أن يخاطبك! كنت مصيباً فيما أقول. فقد طلب الكلام مع الملك ثم من عدة عديدة من أعضاء بطاتنه واحداً بعد واحد، فكان جوابهم جميعاً هو أنهم يؤدون صلاة الصبح ولا يريدون أن يزعجهم مزعج.
    كنا أقل تنظيماً مما كان حالنا يوم معركة الكرامة. فلم معد أي مخطط للمعركة ولم نكن نستطيع أن نتصل ببعض القيادات العسكرية ولم نعد مخابئ لأعضاء القيادة. وكان خمسة منا موجودين في ذلك الصباح في دائرة العمليات العسكرية. وكان ينبغي لنا أن نتفرق بسرعة. واقترحت على عرفات أن يتحصن في جبل الوبيدة، بينما غادرت أنا المكان بصحبة فاروق القدومي وإبراهيم بكر وبهجت أبو غريبة لنتجه نحو مقر الاستخبارات العامة في المقاومة.
    وما كدنا نصل إلى طرف الشارع، حتى رأينا أربع أو خمس دبابات من الجيش الملك يتخرج وتتقدم نحونا وهي تطلق النار في كافة الاتجاهات.
    فأسرعنا نحو أقرب منزل حيث وجدنا قاضياً أردنياً من الطائفة المسيحية عرض ضيافته. ولم نكن بعد أننا سنضطر لأن نمضي خمسة أيام دراماتيكية في صحبته.
    ولن نلبث أن نعرف أن الحي محاصر من قبل قوات الملك حسين التي فرضت منع التجول على مجمل المدينة. ورسمنا عدة خطط للفرار، لكن المراقبة كانت على قدر من الشدة، ولا سيما في النهار، بحيث اضطررنا إلى التخلي عنها. وذات يوم، عمدت قوات الأمن إلى تفتيش كافة بيوت الحي بصورة منتظمة. وراح صوت آمر يزيده المذياع ضخامة يطلب من المستحيل علينا أن نقاوم فدسسنا مسدساتنا تحت الفراش ونزلنا إلى الشارع.
    كان الجنود المسلحون بالرشاشات, يتطلعون بريبة وحذر ويسائلون ويفتشون ويشمون الأيدي طلبا لرائحة البارود التي تنم عمن استخدم الأسلحة النارية. ثم إن رائدا شابا راح يتفرس فينا وهو يقترب منا. ثم قال لنما بلهجة ملتبسة: «ماذا تفعلون هنا؟» فبادر القاضي الذي كنا ملتجئين عنده للإجابة بدلاً منا بشجاعة: «أنهم ضيوفي، أصدقائي لي من الكويت». وأمام عظيم دهشتنا، فإن الضابط أكتفي بذلك ولم يطلب معرفة المزيد وتركنا نمضي فقد كان لنا، برغم كل شيء، أصدقاء في داخل القوات الملكية.
    لكن ما أن كدنا نهم باللحاق بالمنزل، حتى صباح جندي بسيط: «هذا رئيس فدائيين! أنا أعرفه». ثم أسرع نحو إبراهيم بكر وضعفه. وإذ تفاجأ الضابط، فإنه أشار إلينا لننسحب منسلين، في حين وضعت القيود بيدى رفيقنا.
    وفي السماء قررنا أن نقلت مهما كلف الأمر من أحد ثقوب الشبكة التي بدأت تضيق حولنا. وفي غمرة الليل، وكانت الساعة الثامنة والنصف تقريباً ، أنسل فاروق القدومي خارج النافذة بواسطة حبل. وقبل أن أتمكن تقريباً، أنسل فاروق القدومي خارج النافذة بواسطة حبل. وقبل من أن ابتعه رأيته في العتمة وهو يعاود الصعود فجأة. وراح يفسر لي وهو يلهث، أن قدمه لاقت جسماً صلباً قبل أن يصل إلى الأرض. وهكذا فقد تبين له وجود دبابة ترابط شباكنا.
    وفي غداة اليوم التالي. علينا أن حظر التجول سوف يرفع في اليوم التالي لمدة ساعة للسماح للأهالي بالتمون. وهكذا فقد حانت أخيراً الفرصة التي تسكننا من مغادرة ملاذنا، واللحاق بصورة أو بأخرى بمقاتلينا وبما أن نلبس ثياباً مدنية، فإن بوسعنا أن نمر دون أن ينتبه الناس إلينا إلا أننا استيقظنا في صباح اليوم التالي على جلبة وضجيج. فقد جاءت قوات إضافية تضم دبابات ومدرعات وبدأت تحاصر المجموعة السكنية. وما أن استقر المقام بهذا التشكيل العسكري حتى دوي صوت مذياع يقول: « أبو اياد! أننا نعرف انك تختبئ هنا. سلم نفسك، وإلا قصفنا الحي كله!».
    وعشت آنذاك أكثر ساعات حياتي قلقاً. كان رأي بهجت أبو غريبة هو أنه ينبغي أن نذعن للأمر، توفيراً لخسائر بشرية لا طائل في هدرها. أما فاروق القدومي وأنا، فقد ترددنا. إذا لم نكن نستطيع الركون إلى استسلام مذل. بل لقد فكرنا في أن نقتل أنفسنا بان نفرغ مسدساتنا على القوة التي تحاصرنا. وأما مضيفنا فإنه لم يقل شيئاً، ولكلنه كان بادي الرعب. وأما الجيران الذين خمنوا هويتنا أثر توقيف إبراهيم بكر، فإنهم جاءونا بعضهم أثر بعض يطلبون إلينا تسليم أنفسنا، لا بل أن أحدهم، وهو قريب بعيد القدومي، تعرف عليه وراح يمارس عيه ضغوطاً خسيسة. وأما صوت المذياع الوخاز، فإنه أزداد تهديداً.
    وقرابة الساعة العاشرة، أي بعد الإنذار الأول بأربع ساعات انهمرت الرشاشات وتتالت الانفجارات المرعبة وأصيب عدد من منازل الحي.
    واختلطت فرقعة الطلقات التي استقرت في مصاريع نوافذنا، بصيحات النساء وبكاء الأطفال. وجاء بعض هؤلاء الأطفال ـ بعد أن أرسلهم ذووهم يطرقون على بابنا ويضرعون إلينا لكي نغادر المكان. ثم جاء أحد جيراننا يعطينا ثلاثة أعلام بيضاء اقتطعها من شرشف فراش. فقطعتها أرباً.
    ولحسن الحظ فإن الجنود الأردنيين أوقفوا إطلاق النار بعد ذلك بقليل.
    فاغتنمنا فترة السكون لنقنع جيراننا بالصبر حتى الظهر أي حتى الساعة التي سيرفع فيها منع التجول. وبهذا منع التجول. وبهذا نغادر المنزل بدون أن نرفع أذرعتنا بعلامة الاستسلام. ويظل شرفنا سليما.
    وما كدنا نسير في الشارع المقفر بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ بدقائق، حتى نادانا أحد العسكريين ليقودنا إلى رئيسه الذي يريد رؤية أوراقنا. وكان جوازاً سفر بهجت أبو غربية وفاروق الصادرين باسميهما الحقيقيين يشيران غلى صفتهما كأستاذين في الكويت. ولم يكن لدي من جهتي أية وثيقة أقدمها. وبذل القدومي كل مواهبه ككوميدي وصاحب نكتة ليزيل ريبة وحذر الضابط الذي كان يصر ـ ربما لأنه عرف هويتنا ـ على اقتيادنا من عمان ويستخدم كمركز اعتقال.
    وكانت الشاحنة التي صعدنا إليها تضم نحوا من عشرة مشبوهين وينهال الجنود عليهم بالضرب. لكن الضابط أوصى حراسنا بأن لا يضربونا قبل إجراء التحقيقات الاعتيادية.
    ولسوء حظي ـ وحسنة أيضاً ـ فإن ضابط الاستخبارات الذي قدمنا إليه، مصطفى الاسكنجرية تعرف لعلي فوراً. واحتضنني بين ذراعيه قبل أن يذكرني بأنني خلصته ذات يومهن مجموعة فدائيين أخذوه رهينة, وأعفانا من عمليات التعذيب التي توقع معتقلي الطبربور ـ الذين كنا نسمع صرخاتهم ـ بإحالتنا فوراً إلى المركز للمخابرات بعد أن أخطر بتوقيفنا.
    كان الاستقبال الذي حظينا به هناك استقبالاً سيء الطالع. فقد خلعوا أحذيتنا ونزعوا كافة أمتعتنا الشخصية قبل أن يأخذونا حفاة إلى زنزانات تحت الأرض وجبسونا ثلاثتنا في زنزانات متجاورة. وكانت زنزانتي تبلغ المترين طولا والمتر الواحد عرضاً، رطبة قذرة الرائحة بحيث أنها قززتني للحال. وجعلتني الاثنتا عشرة ساعة المتوالية التي أمضيتها في عتمة دامسة دون طعام أو شراب. أغرق في كآبة عميقة. ليس لأن اغتيالنا كان يبدو لنا أمراً محتوما، ,إنما بسبب الوصمات التي سيحاول أعداؤنا تلويث شرفنا بها بعد إعدامنا. إذ لا ريب أنهم سيقدمون توقيفنا ـ وتوقيف إبراهيم بكر ـ كاستسلام جبناء ، بهدف تحطيم معنويات قواتنا.
    وفي ساعة متأخرة من الليل، أخرجت من الزنزانة لأتعرض لأول استجواب، كان الضابط المحقق لطيفا بل محببا وقدم لي سيجارة فرفضتها برغم أن كنت مدخنا مدمنا. ثم رفضت أن أجيب على أسئلته طالما لم يحضر إلى جانبي أو غريبة والقدومي اللذين كنت أسعى للاطمئنان على مصيرهما. وراح الضابط يلح: هل أستطيع على الأقل أن أدله على مكان جهاز إرسال راديو العاصفة اليسرى، الذي كان ببديهة الحال يزعج السلطة الملكية إلى أقصى حد. وأجبت بأنني لا أعرف عنه شيئاً ( وكان ذلك صحيحاً) وأنني حتى لو كنت أعرف موضعه لفضلت الموت على أن أرشد إليه. وعندما انتقلنا إلى التهديدات قلت لمحدثي أن الفدائيين سيعرفون متى عاد السلام، كيف يصفون حساباتهم مع من يفرطون، مثله، في الحماس.
    وتوقف عن الإلحاح ثم استدعى أبو غريبة والقدومي. ولم ينس القدومي دوره الذي يجيده، فراح يعرب عن استنكاره الشديد وسخطه التام، مبديا أنه لم يلق في حياته من الإهانة ـ وهو الذي يشغل في منظمة التحرير منصباً يوازي منصب وزير ـ بقدر ما لقي اليوم! وكنا لا نزال نضحك من طرف خفي حين دخل رئيس المخابرات نذير رشيد واحتضنا بين ذراعيه على الطريقة العربية مرحبا بنا. كان اللواء رشيد معارضا قديماً للنظام الأردني ولاجئا سياسيا طيلة عدة سنوات في مصر قبل أن يعود فيلتحق مجدداً بالملك حسين، ويقدم نفسه كقومي عربي صلب. وأوقف الاستجواب وأصدر أمراً بأن نعامل بعد الآن معاملة حسنة. فقد فهم، وهو الداهية بأنه لا جدوى في الإلحاح وأن الحكمة تقضي بالحفاظ على حياتنا. لكن ذلك لم يكن رأي سلفه رسول الكيلاني وهو من أصفياء الملك حين التقاني بعد نهاية المعارك. فقد قال لي: « إن أفدح خطأ ارتكب هو الإبقاء عليكم. ولو أعدمناكم في الحال، لكنا كسبنا الحرب» قال ذلك بحضور القدومي في لقاء عابر.
    يبقى أنه في غداة محادثتنا مع رئيس المخابرات بدا الوزراء وكبار المسؤولين وكبار ضباط الاستخبارات يتوافدون إلى الغرفة الفسيحة التي وضعت بتصرفنا لخوض مناقشات سياسية حادة جعلتنا نملها لأنها كانت تبدو لنا عقيمة لا طائل فيها. وفي اليوم التالي، بدأت حرب الأعصاب. وبدأ ضباط الحرس « يفضون إلينا»، مرة بأن ياسر عرفات استسلم، وتارة بأنه قتل. وحينا بأن «البحرية الأميركية» (المارينز) تستعد للإنزال لمساعدة القوات الملكية.
    وقد تركتنا هذه المعلومات في حالة قلق. كنا لا نزال نجهل بأن وحدات سورية عبرت الحدود لتساعد الفدائيين، مثلما كنا نجهل أن ضغوطاً سوفياتية ومصرية كانت تمارس على دمشق لتسحب قواتها تلافيا لتدخل عسكري إسرائيلي ـ أمريكي. وإنما عرفنا فيما بعد، بأن الجيش السوري انسحب بعد دخوله بأربعة أيام. أما الوحدات العراقية فإنها ظلت سلبية كما توقعنا تماما. وقد اسمعني ضابط استخبارات أردني أبان اعتقالي تسجيلاً لمحادثة بين الملك حسين واللواء حردان التكريتي وزير الدفاع العراقي حيث كان الوزير يعلن بوضوح: «إن قواتنا، وفقا لتعداتنا، لن تتحرك...» والواقع هو أن الجيش العراقي سحب من الأردن بعد معارك أيلول ـ سبتمبر 1970. ذلك أن بغداد ـ كما سيفسر لي الرئيس البكر بعد بضعة أشهر ـ خافت من تدخل أميركي يعرض النظام البعثي للخطر.
    وباختصار، فإن كافة الأصداء التي كانت تتناهي إلينا من خارج سجننا لم تكن أخبارا مفرحة. وذات مساء جاءتنا ثلاث شخصيات أردنية بينها رئيس الأركان العامة ورئيس الاستخبارات للتباحث معنا. فعرضت عليهم مشروع اتفاق لوقف إطلاق النار لا يدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة ياسر عرفات وبقية أعضاء القيادة. وألحيت برغم اعتراضات فاروق القدومي وإبراهيم بكر ـ بأن يعرض المشروع على الملك حسين على مسؤوليتي وحدي. كان تفكيري هو التالي: إذا كان الفدائيون على وشك الهزيمة، فإنني أكون قد قدمت لهم مخرجاً مشرفاً، ووفرت حياة كثيرين، أما إذا كان الظرف لصالحهم فإنني أكون المتورط الوحيد بالمبادرة.

    وكان المشروع الذي حررته بحضور محادثي الأردنيين يتضمن أربع نقاط: عودة الجيش الملكي إلى ثكناته، إخلاء الفدائيين لعمان، الشروع في مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، إقامة قواعد فدائية على طول الخط الفاصل عن الأراضي التي تحتلها إسرائيل.

    وبناء على اقتراح الشخصيات الأردنية المطلقة الصلاحية هذه، فإنني قرأت النص بصوت عال فسجلوه بدون علمي ونقلوه للملك. وكان الاتفاق بيننا هو أن نذهب رفاقي وأنا إلى سفارة مصر حيث نتصل بعرفات بالراديو لأخذ موافقته. غير أن الملك انتهك التعهدات المعطاة حين بث من راديو عمان منذ صباح 23 أيلول ـ سبتمبر اقتراحاتي ـ بعد أن قدمها كاقتراحات صادرة عن قيادة فتح ـ معلنا موافقته عليها. وكنت أوضحت تماماً بأنه ليست لي كسجين أية صفة تخولني التفاوض فضلاً عن اتخاذ قرار باسم منظمتي. يبقى أنني، وأنا لا أزال أجهل ما حل بمشروعي، وافقت في اليوم نفسه طبقا لما تم الاتفاق عليه، أن أذهب إلى سفارة مصر بصحبة القدومي وبكر، إذ كان أبو غريبة مريضاً. إلا أن السيارة المدرعة التي وضعونا فيها لم تفلح في التقدم أكثر من بضع عشرات من الأمتار، فقد كانت المعارك التي تدور في هذا القطاع على جانب عظيم من الكثافة. وأجبرتنا العيارات وانفجارات القذائف على أن نعند أدراجنا بعد عدة محاولات غير مثمرة. وهكذا أدركت أخيراً بأن الفدائيين لم يهزموا وأنهم لا يزالون يسيطرون على عدة أحياء من العاصمة. وكنت أجهل بطبيعة الحال أن قوات المقاومة حررت في اليوم ذاته مثلث أربد ـ الرمتا ـ جرش و أنها تسيطر على هذه المدن الشمالية الثلاث.
    ولدى عودتي إلى السجن، دعوني للذهاب إلى قصر الحمر، حيث ينتظرني الملك وأعضاء الوفد الذي أرسله رؤساء الدول العربية من القاهرة للتوصل إلى وقف المعارك. وكان يقود الوفد، الرئيس السوداني اللواء جعفر النميري ويضم رئيس الوزراء التونسي الباهي الأدغم ووزير الدفاع الكويتي الشيخ سعد العبد الله، ورئيس المكتب الثاني المصري، الفريق صادق. وكان هذا الأخير قد سبق الوفد إلى عمان ليطلب من الملك باسم عبد الناصر أطلاق سراحي وسراح القدومي. ورفض عرضا لزيارتنا في السجن وألح على أن ندعى إلى القصر.
    وبعيد وصولنا غلى مدخل المقر الملكي، جاء حسين ليرحب بنا. وعانقني بحرارة وقال لي بلهجة اللائم: «أأنت راض عن المأساة التي نعيشها؟» وأجبته: «يا صاحب الجلالة: لقد فعلنا كل ما في وسعنا لتلافي هذه الكارثة، وأنتم لا تجهلون ذلك. لكن أتعرفون ما تفعله قواتكم؟ وهل تعلمون أنها تقوم بذبح الأهالي؟ وأن رجالكم يعذبون الشباب الوطنيين في معسكر دالخ القصر مؤكدا لي أن سيفتح تحقيقاً بهذا الموضوع.
    دارت المحادثة التي جرت بيننا وبين أعضاء الوفد العربي بحضور حسين، حول وسائل الاتصال بعرفات لفرض وقف أطلاق النار بأسرع ما يمكن كان الجو متوتراً، وانسحبت مع بعض أفراد البطانة الملكية إلى الطابق الأرضي من القصر. وبينما كنت أتحادث مع رئيس الوزراء السابق أحمد طوقان، فإنني طلبت بعض الماء لأشرب. فرماني مرافق عسكري شاب كان يقف إلى جانبنا بعبارة شتيمة مضيفا أنه يفضل أن يراني «أموت عطشاً». وذهب أحمد طوقان ليبلغ الحادث إلى الملك الذي ما لبث أن جاء بعد دقائق وفي يده كوب ماء.
    غير أننا لم نكن نملك إلا الأعداء فقط في المحيط الملكي. فبينما كنا ننتظر نهاية المداولات أبلغني ضابط ضابط أردني كبير على انفراد بأن الأمر صدر للجيش بقصف مدينة أربد في الساعة الخامسة بعد ظهر اليوم ذاته. فأسرعت لفوري إلى الطابق الأول لأطلب من حسين، أمام أعضاء لوفد العربي أن يعطي أمراً مضاداً لمنع حدوث مجزرة جديدة. وإذ أخذته المفاجأة، والغضب أيضاً، فإنه بدأ بالانكار وصاح «لكن من ذا الذي قدم لك هذه المعلومات الخاطئة، أريد أن أعرف». ورفضت بطبيعة الحال أن أكشف له المصدر. وبناء على طلب أعضاء الوفد العربي، ذهب الملك إلى الغرفة التي يستخدمها كمركز اتصالات، ثم عاد ليعلن بأن قيادة الأركان أكدت له «أن أربد لن تقصف»
    وقرر الوفد العربي أن يعود مساء اليوم نفسه إلى القاهرة ووافق الملك حسين على أن يطلق سراح صحابتي الثلاثة. ولكنه أصر على الاحتفاظ بي في عمان، حيث يمكن أن أكون، وفق ما قال، أكثر فائدة. إلا أن أضطر أن يرضح للفريق صادق الذي كرر أمامه بحزم، أن عبد الناصر أعطاه الأمر بالأ يغادر عمان إلا برفقتي.
    ولم أعلم، إلا وأنا على متن الطائرة التي تقلنا إلى القاهرة من فم اللواء النميري بالضربة الغادرة التي سددها إلينا. فقبل مغادرته عمان، أذاع رئيس الدولة السودانية بدون علمي بيانا لوقف إطلاق النار من راديو عمان، كان قد تفاوض عليه مع حسين، ولكنه عزاه إلى رفاقي الثلاثة وإلى. واستبد بي الغضب عندما قدم إلي الرئيس السوداني نص الاتفاق، وألقيت الوثيقة أرضا وأنا أقول له أنه باطل لاغ. وبالفعل فإن قيادة فتح نشرت بياناً بهذا المعنى مبدية أننا لم نوافق عليه لأننا كنا مسجونين ولسنا في وضع يمكننا من ممارسة أرادتنا بحرية.
    كان جمال عبد الناضر ينتظرنا في مطار القاهرة واحتضنا بحرارة وهو بادئ السعادة لدى رؤيتنا سالمين معافين جميعاً. وأخذنا في سيارته إلى قصر القبة لفي ضاحية القاهرة حيث كان رؤساء الدول العربية مجتمعين منذ بضعة أيام ينتظرون المهمة التي قام بها مندوبوهم في عمان.
    وقدمت لهم عرضا عن الوضع في الأردن، واصفا وحشية القوات الملكية، والدمار الرهيب الذي شاهدته في شوارع العاصمة، ملحا على الخسائر البشرية التي تحل بالأهالي المدنيين وعلى إدارة الملك حسين في تصفية المقاومة.
    وقد صدمت، وأنا أتكلم، من قلة التحسس لدى غالبية المستمعين إلي.
    كانت وجوههم ساكنة باردة ونظراتهم غائبة أو لا مبالية. صحيح أنهم كانوا يصغون إلي بأدب، ولكنه إصغاء متجرد غير آبه جعلني استشعر البرودة نفي ظهري. أفصحيح أن من أراهم أمامي هم زعماء الأمة العربية الساخطة المنكرة لهذه المأساة الرهيبة التي يعيشها الشعبان الأردني والفلسطيني؟!
    وعندما أنهيت عرضي، أوصلنا عبد الناصر ـ القدومي وأنا ـ بسيارته إلى فندق هيلتون بالقاهرة حيث كان يقيم طيلة اجتماع «القمة». ثم استقبلنا بعد ذلك في الجناح الرئاسي بحضور نائب الجمهورية حسين الشافعي ورئيس الوزراء السابق علي صبري ثم ما لبث أن طرح علينا لتوه السؤال التالي: ماذا تريدون أن أفعل لمساعدتكم. كان عبد الناصر بقسماته المتعبة بالذنب لديه إزاءنا. وقال لنا مفسراً إبطاءه بالتدخل (حوالي خمسة أيام) لوضع حد للمعارك في الأردن: «كنت في مرسي ضئيلة الأهمية، شبيهة بكل تلك المواجهات التي سبقتها...» كان يسعى إلى التعويض تعن قصوره. وراح يلح قائلاً: « هل تريدون أن نضع إذاعة القاهرة بتصرفكم مجدداً؟» (كان قد منعنا عنها قبل ذلك بثلاثة أشهر كرد على الانتقادات التي وجهناها إلى مخطط روجرز). وأجبته بأنه يجب الإسراع بأقصى ما يمكن إيجاد الوسائل اللازمة لإخراج ياسر عرفات من عمان. ثم أضفت موضحاً، إن الملك حسين لن يوقف المعركة طالما بقي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن. والحال هو أنه يجب إيقاف الحرب بأسرع ما يمكن. فرفقاً للمعلومات التي أملكها فإن هجمة الجيش الملكي ضد حي الاشرفية حي قام عرفات مقر قيادته، كانت إلى ازدياد في حين أن ذخائر مقاتلينا كانت إلى نفاذ. ثم انتقدت الطريقة التي أنجز بها الرئيس السوداني جعفر النميري مهمته، قبل أن اقترح عودته إلى عمان لتخليص عرفات.
    واستمرت محادثتنا مع عبد الناصر طوال الليل، وانتهت بموافقته على مشروعي.وقال لي أن الفريق صادق سيكلف بتركيز خطة خروج عرفا. فلم يبق علي سوى أن أقنع بقية رؤساء الدول المعنيين بمهمة اللواء النميري الجديدة. فأما الملك فيصل فكان مغلقاً أبداً، ثم عين بعد بعض التردد مستشاره رشاد فرعون كعضو في الوفد. وأما أمير الكويت فعين وزير دفاعه على عجل. وذهب أبو غريبة وفاروق القدومي إلى سوريا لإقناع الرئيس الأتاسي الذي غاب عن اجتماع القاهرة، في حين أن إبراهيم بكر رافق الوفد العربي إلى عمان. وعارض عبد الناصر معارضة حازمة أمر اشتراكي بالوفد خشية أن اعتقل مرة أخرى.
    غير أن اللواء النميري رفض، أمام دهشتي الكبرى، أن يقود الوفد إذا اعتبر أن مهمته انتهت، وانه على أي حال لا يريد أن يضع بعد قدميه في عمان. ولم يرضخ في النهاية إلا بناء لإلحاح عبد الناصر الذي كان يجله كثيراً.
    ثم أن الفريق صادق بدأ تنفيذ الخطة التي وضعها لإيصال عرفات إلى القاهرة،منذ وصول الموفدين العرب المطلقي ال

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 5:41 pm